الوعي النقابي أساس العدالة: تأملات في ديمقراطية الانتخابات داخل نقابة المحامين في بيروت

الوعي النقابي أساس العدالة: تأملات في ديمقراطية الانتخابات داخل نقابة المحامين في بيروت”
في كل دورة انتخابية داخل نقابة المحامين في بيروت، يُعاد طرح السؤال الجوهري: هل نمارس فعلًا ديمقراطية حقيقية تُجسّد روح القانون، أم نكتفي بمظاهرها الشكلية التي تُخفي خلفها اعتبارات سياسية واجتماعية لا تمت بصلة إلى جوهر العمل النقابي؟
إن نقابة المحامين ليست مجرد مؤسسة مهنية، بل هي ركيزة من ركائز العدالة، وصوتٌ مستقل يُفترض أن يُعبّر عن ضمير المجتمع القانوني. وقد نصّت المادة الثانية من قانون تنظيم مهنة المحاماة بوضوح على أن المحاماة مهنة حرة تشارك السلطة القضائية في تحقيق العدالة. وهذا يضع على عاتق كل من ينتمي إلى هذا الجسم النقابي مسؤولية مضاعفة في حماية استقلاليته، وصون رسالته، والحرص على أن يبقى بعيدًا عن التسييس والتبعية.
الانتخابات النقابية ليست مناسبة اجتماعية، ولا فرصة لتبادل المجاملات، بل هي لحظة مصيرية تُحدد مسار النقابة، وتُعيد رسم دورها في الدفاع عن الحقوق والحريات. وهنا، تبرز أهمية وعي الناخب، الذي لا يُفترض أن يُمنح صوته بناءً على انتماء أو علاقة شخصية، بل على أساس الكفاءة، النزاهة، والرؤية الواضحة التي يحملها المرشح.
أما المرشح، فليس كل من يطمح يصلح لأن يتحمّل المسؤولية. فالموقع النقابي يتطلب من يتقن فن القيادة المهنية، ويُجيد تمثيل المحامين أمام القضاء والرأي العام، ويملك من الخبرة والرصانة ما يؤهله لحمل الأمانة. إن تولي المسؤولية يجب أن يكون تكليفًا لا تشريفًا، ومسؤولية لا امتيازًا.
الديمقراطية الحقيقية لا تُقاس بعدد الأصوات، بل بجودة الاختيار، ونزاهة العملية، وصدق النوايا. وإن النقابة، بما تمثله من قيمة معنوية ووطنية، تستحق أن تُدار بمنطق العدالة، لا بمنطق التوازنات. فالمحاماة ليست مهنة فقط، بل رسالة، ومن يحملها يجب أن يكون على قدر هذه الرسالة.
فلنُحسن الاختيار، ولنُمارس حقنا الانتخابي بوعي ومسؤولية، ولنعمل معًا على أن تبقى نقابة المحامين منارة للحق، ومرآة للعدالة، وصوتًا حرًا لا يُساوم.
المحامي كميل حبيب معلوف
بيروت في ٢٠٢٥/١٠/٢٥
